الواقع المناخي إلى أين؟

بات من غير الاعتيادي أن يمر يوم دون أن نسمع أو نشاهد أو حتى نعيش الظواهر الجوية العنيفة في أحد أجزاء العالم! ولكن هل تساءلنا يوماً عن السبب وراء زيادة عدد وحِدّة هذه الظواهر؟ وهل يمكن أن يكون للإنسان دور في زيادة تكرار وشدة هذه الظواهر؟ وكيف لنا أن نتعامل مع هذه الظروف؟

إن المترقب للمناخ في العالم على مدار الألف سنة الأخيرة على الأقل يعلم تماماً أن ما يحدث الآن في الكرة الأرضية من زيادة في درجات الحرارة هو أمر غير مسبوق من حيث وتيرة الارتفاع ومقداره وتم تسمية هذه الظاهرة بالإحتباس الحراري، مما دفع العلماء لدراسة أثر هذه الظاهرة على المناخ والتنبؤ بما يمكن أن يحمل لنا المستقبل المكلوم بملوثات الإحتباس الحراري. لقد أثبتت الدراسات المحكمة الحديثة (هانسن وآخرون، 2012) وجود علاقة وثيقة بين شدة وتكرار الظواهر الجوية مع ظاهرة الاحتباس الحراري وبالتالي تأكيد تسبب الأخير في التغيرات المناخية العالمية حيث أن زيادة المحتوى الحراري في المحيطات على سبيل المثال تزيد شدة الأعاصير المدمرة في المحيط الأطلسي وزيادة نسبة بخار الماء في الجو نتيجة زيادة الحرارة تؤدي لحدوث عواصف مطرية أكثر شدة في بعض المناطق مسببةَ فيضانات غير مسبوقة وقد يكون ما شهده الأردن من أمطار غزيرة، تعدت معدل أكثر من ثمانين سنة، الشتاء الماضي مثالاَ على ذلك (غير مثبت علمياَ بعد).

ربط العلماء دور البشر في واقع المناخ الحالي من خلال زيادة ملوثات الإحتباس الحراري في الغلاف الجوي، وبالتحديد رفع تراكيز غاز ثاني أكسيد الكربون لمستويات تفوق ما كانت عليه خلال الخمس عشرة مليون عام السابقة حيث كانت درجات الحرارة أعلى بما يقارب الست درجات مئوية. ان هذا الأمر هو أشبه بناقوس الخطر الذي من المفترض أن يوقظنا من غفلتنا ويوجهه العالم أجمع للوقوف صفاَ واحداَ لمواجهة تحدي المناخ، ومن الجدير بالذكر أن الدراسات العلمية المستفيضة خلال العقد الأخير خرجت بمعلومات مهمة يجب على المتتبع للواقع المناخي أن يعرفها منها أن ارتفاع درجتين مئويتين على معدل درجة الحرارة للكرة الأرضية هو الحد الأعلى الممكن التعايش معه دون وجود آثار كارثية للتغير المناخي وقد وصل العالم اليوم لما يقارب درجة مئوية واحدة من الارتفاع. وقد خرج العلم  أيضاً بحقيقة أن المخزون المتواجد والمتاح في الكرة الأرضية من الوقود الأحفوري يوازي خمسة أضعاف المسموح بحرقه للمحافظة على ارتفاع أقل من درجتين مئويتين في حرارة الكرة الأرضية، مما يشكل عقبة مهمة في اقناع المستفيدين بأن يتوجهوا لأساليب أكثر أمناً في انتاج الطاقة في المستقبل القريب.

ان أكثر قطاع انتاجاً لغازات الاحتباس الحراري في العالم هو قطاع انتاج الطاقة وبالتالي فالحلول للتحدي المناخي تتمثل بالتقليل من انبعاثات قطاع الطاقة بالمجمل بما يشمل أساليب انتاج أكثر أمناً (نظافة) ومنشئات أكثر كفاءة في استخدام الطاقة. قد لا يكون الأردن من الدول ذات الانبعاثات المرتفعة على المستوى الوطني لصغر المساحة وعدم وجود صناعات ثقيلة لكن إلى أنه على المستوى الفردي فإن المواطن الأردن يساوي ما ينتجه الفرد بالمعدل العالمي بمستوى الانبعاثات، وعليه يجب علينا التفكير ملياً وتغيير نمطنا المعيشي المعتمد كلياً على ثقافة الاستهلاك الغير مدروس. قد تكون الظروف الاقتصادية في الأردن محفزاً لنا للتحول نحو الاستخدام الأكفأ للطاقة ولكن ما جدوى الكفاءة ومصدر الطاقة يسبب الكثير من التلوث بغازات الاحتباس الحراري ،آخذين دورنا الإقليمي والدولي اتجاه هذه المسألة بعين الإعتبار حيث أن تحدي المناخ لا يحل إلا بتكاتف كافة الدول ومنها الأردن. قد يعتقد البعض أن الصخر الزيتي هو الحل لمشكلة الطاقة في الأردن ولهؤلاء نقول ان قطار النظام العالمي الجديد المعتمد على الطاقة المتجددة النظيفة سيمر من هنا وقرار أن نركب فيه ونواكب سرعته هو قرار نمتلكه اليوم وعلينا اعداد العدة لنكون جزء من التغيير العالمي المطلوب للحفاظ على وطننا الأرض.

ما أشبه العالم اليوم بسفينة تغرق بفعل راكبيها، يعيش فيها فريقان أحدهم في مقدمة السفينة والآخر في المؤخرة ، وقد بدأ الفريق الأول بثقب السفينة لاستخراج الماء، فقام جزء من الفريق الثاني بمحاكاة ما يقوم به الفريق الأول في المؤخرة مما يزيد من سرعة غرق السفينة، فأدرك الفريق الأول المشكلة وراح ينصح بوقف الثقب في السفينة بدون أن يغلق القديم منها. حان الوقت لنتعالى على اختلافاتنا ونتحد لمواجهة تحدي المناخ المغدق بوطننا الأرض.

CR

This entry was posted in Climate Change Policy, Uncategorized. Bookmark the permalink.

Leave a comment